الافتتاحية

بــــسم الله الر حمن الرحيـم

﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾

قال الله تعالى في أفضل كتبه آمراً أفضل رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: ﴿وقل رب زدني علماً﴾، وأمر الله رسوله وأتباع رسوله بأن يدعوا إلى الله على بصيرة فقال: ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ وقال جل وعلا مبيناً طريق العلم النافع: ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً لمن سلك طريق العلم: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللـَّـهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلىَ الْجَنَّةِ)) رواه مسلم.

طلب العلم إنما يبدأ بتقوى الله والخشية منه حق الخشية، والسعي الحثيث في هذا الطريق والثبات عليه، وهو واجب متحتم علينا، نرجو الله أن يوفقنا جميعا لهذا الشرف العظيم وهذه السعادة الحقيقية.

فنحن موقنون بأن سعادة الدنيا والآخرة لا يمكن الوصول إليها إلا بالسير على هذا الصراط المستقيم ألا وهو طلب العلم بتقوى الله عز وجل.

وتقوى الله سبحانه هو التعبد لله وحده بجميع أنواع العبادة والخضوع التام لشريعته سبحانه.

المسلم الحق يدعو الله ويتضرع إليه في كل يوم عشرات المرات في الصلوات  المفروضة وفي النوافل ويقول: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾.

ولعل في إيجاب هذه الأدعية العظيمة وتكرارها في كل يوم مرات ومرات دلالة واضحة على أن الإنسان كلما كانت عبادته لله وطلبه للعلم خالصاً وجاداً كان علمه وعمله أعظم بركة وأكثر تأثيراً.

وكلما زاد علمك الذي تطلبه لوجه الله زادت خشيتك من الله وحده ورجاؤك من الله وحده. وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله:

“إنما يتعلم العلم ليتقى به الله! وإنما فضل العلم على غيره لأنه يتقى الله به”.

وأما إذا كان العلم الذي تعلّمه الإنسان كثيراً ولكنه خال عن التقوى وبعيد عن عبادة الله آناء الليل والنهار فإنه لن يكون عالماً ربانياً أبداً إذ لو كان عالماً حقاً لكان من أتقى الناس لله وأخوفهم منه ولظهرت آثار عباداته الخالصة وقوة توكله على الله في جوانب حياته كلها وقد جعل الله عقلاء الناس يدركون الفرق الشاسع بين علماء الحق وعلماء السوء.

قال الله سبحانه وتعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.

فخشية الله تعالى وعبادته وحده هي أعظم العلم. ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ” ليس العلم بكثرة الحديث ولكن العلم الخشية“، ولما تكلم أحد الناس عن الإمام الزاهد العابد معروف الكرخي –رحمه الله- في مجلس الإمام أحمد وقال عنه: “إنه قصير العلم” نهره الإمام أحمد وقال: “ أمسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف“، وسأله ابنه عبد الله: هل كان مع معروف شيء من العلم ؟ فقال له “يا بني كان معه رأس العلم خشية الله تعالى “.

فطلب العلم إنما يكون بتقوى الله والعمل بما تعلم.

وأما العالم الذي لا يعمل بعلمه فإنه كما جاء في الحديث “أول من تسعر به النار يوم القيامة”، والعياذ بالله.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “ويل للذي لا يعلم مرة وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات”.

وقال الشاعر:

وعالم بعلمه لم يعملن * * * معذب من قبل عباد الوثن

فمن هذا المنطلق ننصح أنفسنا أولاً ثم ننصح جميع طلبة العلم الراجين سلوك طريق الجنة والوصول إليها فنقول؛ لنطلب العلم بتقوى الله عز وجل والتضرع إليه دائماً وأبداً، وعلينا أن نحذر أشد الحذر من المرض الفتاك والداء العضال ألا وهو العجب والغرور الذي يصاب به الكثير من طلاب العلم، وإلى الله المشتكى.

فمن علامات هذا المرض الخطير الاغترار والإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين بأنهم “أقل علماً”، أو يدور مثل هذه الظنون في خلجات صدره، نسأل الله السلامة والعافية.

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث؛ ارزقنا علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً صالحاً متقبلاً، واجعلنا من طلبة العلم المخلصين لوجهك السائرين في طريق جنتك، وأنقذنا من أمراض القلوب الفتاكة من الكبر والغرور والعجب والحسد والرياء والسمعة وجميع الأمراض يا رب العالمين، إنك أنت أرحم الراحمين.

Share

التعليقات مغلقة.