05- التعليق على رسالة أصول السنة للإمام أحمد رحمه الله – القسم الخامس والأخير

القسم الخامس من مجلس قراءة رسالة أصول السنة للإمام أحمد رحمه الله بتعليقات فضيلة الشيخ حامد بن أكرم البخاري حفظه الله

تنزيل الدرس

 

قال رحمه الله:

“… ثُمَّ مِنْ بَعْدِ أَصْحَابِ اَلشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنْ اَلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنْ اَلْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَدْرِ اَلْهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ، أَوَّلًا فَأَوَّلًا، ثُمَّ أَفْضَلُ اَلنَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اَلْقَرْنُ اَلَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ. وَكُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً، أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ، لَهُ مِنْ اَلصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ، وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةً، فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنْ اَلْقَرْنِ اَلَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ، وَلَوْ لَقُوا اَللَّهَ بِجَمِيعِ اَلْأَعْمَالِ، كَانَ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ صَحِبُوا اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ، وَمَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ وَلَوْ سَاعَةً، أَفْضَلُ لِصُحْبَتِهِ مِنْ اَلتَّابِعِينَ، وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ اَلْخَيْرِ.

وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ البَـرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمَنْ وَلِيَ اَلْخِلَافَةَ، وَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ عَلَيْهِ، وَرَضُوا بِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً، وَسُمِّيَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ اَلْأَمِيرِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ البَـرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ.

وَقِسْمَةُ اَلْفَيْءِ وَإِقَامَةُ اَلْحُدُودِ إِلَى اَلْأَئِمَّةِ مَاضٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُنَازِعُهُمْ، وَدَفْعُ اَلصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ، مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، بَـرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.

وَصَلَاةُ اَلْجُمْعَةِ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مَنْ وَلَّاهُ، جَائِزَةٌ بَاقِيَةٌ تَامَّةٌ رَكْعَتَيْنِ، مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ تَارِكٌ لِلْآثَارِ، مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ اَلْجُمْعَةِ شَيْءٌ ; إِذَا لَمْ يَرَ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ اَلْأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ.

فَالسُّنَّةُ: بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدِينَ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ، لَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ.

وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كَانَ اَلنَّاسُ اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، بِالرِّضَا أَوْ بِالْغَلَبَةِ – فَقَدْ شَقَّ هَذَا اَلْخَارِجُ عَصَا اَلْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَ اَلْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ مَاتَ اَلْخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ اَلسُّلْطَانِ وَلَا اَلْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنْ اَلنَّاسِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ اَلسُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ.

 

وَقِتَالُ اَللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ جَائِزٌ إِذَا عَرَضُوا لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ، وَلَيْسَ لَهُ إِذَا فَارَقُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ، وَلَا يَتْبَعَ آثَارَهُمْ، لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا اَلْإِمَامَ أَوْ وُلَاةَ اَلْمُسْلِمِينَ، إِنَّمَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَيَنْوِيَ بِجُهْدِهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا، فَإِنْ مَاتَ عَلَى يَدَيْهِ فِي دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي اَلْمَعْرَكَةِ فَأَبْعَدَ اَللَّهُ اَلْمَقْتُولَ، وَإِنْ قُتِلَ هَذَا فِي تِلْكَ اَلْحَالِ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، رَجَوْتُ لَهُ اَلشَّهَادَةَ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْأَحَادِيثِ وَجَمِيعِ اَلْآثَارِ فِي هَذَا إِنَّمَا أُمِرَ بِقِتَالِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَلَا اِتِّبَاعِهِ، وَلَا يُجْهِزُ عَلَيْهِ إِنْ صُرِعَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا، وَإِنْ أَخَذَهُ أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهِ اَلْحَدَّ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اَللَّهُ، فَيَحْكُمُ فِيهِ.

 

وَلَا نَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ نَرْجُو لِلصَّالِحِ وَنَخَافُ عَلَيْهِ، وَنَخَافُ عَلَى اَلْمُسِيءِ اَلْمُذْنِبِ، وَنَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اَللَّهِ.

وَمَنْ لَقِيَ اَللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِـرٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنْ اَلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ اَلذَّنْبِ فِي اَلدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِـرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي قَدْ اِسْتَوْجَبَ بِهَا اَلْعُقُوبَةَ فَأَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمِنْ لَقِيَهُ وَهُوَ كَافِرٌ عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ.

 

وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أَحْصَنَ إِذَا اِعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَجَمَت اَلْأَئِمَّةُ اَلرَّاشِدُونَ.

وَمَنْ اِنْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أَبْغَضَهُ بِحَدَثٍ كَانَ مِنْهُ، أَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا، حَتَّى يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَيَكُونُ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.

وَالنِّفَاقُ هُوَ: اَلْكُفْرُ، أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ وَيَعْبُدَ غَيْرَهُ، ويُظْهِرَ اَلْإِسْلَامَ فِي اَلْعَلَانِيَةِ، مِثْلَ اَلْمُنَافِقِينَ اَلَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ”([1]) هَذَا عَلَى اَلتَّغْلِيظِ، نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَتْ، وَلَا نُفَسِّرُهَا. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: “لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ”([2]) وَمِثْلُ:”إِذَا اِلْتَقَى اَلْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي اَلنَّارِ”([3]) وَمِثْلُ:”سِبَابُ اَلْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ”([4]) وَمِثْلُ: “مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا”([5]) وَمِثْلُ: “كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ”([6]) وَنَحْوُ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ مِمَّا قَدْ صَحَّ وحُفِظَ، فَإِنَّا نُسَلِّمُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ تَفْسِيرَهَا، وَلَا نَتَكَلَّمْ فِيهَا، وَلَا نُجَادِلْ فِيهَا، وَلَا نُفَسِّرْ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثَ إِلَّا مِثْلَ مَا جَاءَتْ، لَا نَرُدُّهَا إِلَّا بِأَحَقَّ مِنْهَا.

وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ قَدْ خُلِقَتَا، كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا”([7]) وَ “رَأَيْتُ اَلْكَوْثَرَ”([8]) وَ “اِطَّلَعْتُ فِي اَلْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا… “([9]) كَذَا، وَ “اِطَّلَعْتُ فِي اَلنَّارِ فَرَأَيْتُ … ” كَذَا وَكَذَا، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَمْ تُخْلَقَا، فَهُوَ مُكَذِّبٌ بِالْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَحْسَبُهُ يُؤْمِنُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ مُوَحِّدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَلَا يُحْجَبُ عَنْهُ اَلِاسْتِغْفَارُ، وَلَا تُتْرَكُ اَلصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، أَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى.

آخِرُ اَلرِّسَالَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا.


[1] – النسائي: الإيمان وشرائعه (5023).

[2] – البخاري: العلم (121) , ومسلم: الإيمان (65) , والنسائي: تحريم الدم (4131) , وابن ماجه: الفتن (3942) , وأحمد (4/358) , والدارمي: المناسك (1921).

[3] – البخاري: الإيمان (31) , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (2888) , والنسائي: تحريم الدم (4122) , وأبو داود: الفتن والملاحم (4268) , وابن ماجه: الفتن (3965) , وأحمد (5/51).

[4] – البخاري: الإيمان (48) , ومسلم: الإيمان (64) , والترمذي: البر والصلة (1983) , والنسائي: تحريم الدم (4108) , وابن ماجه: المقدمة (69) , وأحمد (1/385).

[5] – البخاري: الأدب (6104) , ومسلم: الإيمان (60) , والترمذي: الإيمان (2637) , وأبو داود: السنة (4687) , وأحمد (2/44) , ومالك: الجامع (1844).

[6] – ابن ماجه: الفرائض (2744) , وأحمد (2/215).

[7] – البخاري: النكاح (5226) , ومسلم: فضائل الصحابة (2394) , وأحمد (3/372).

[8] – البخاري: تفسير القرآن (4964) , والترمذي: تفسير القرآن (3359) , وأحمد (3/164).

[9] – البخاري: بدء الخلق (3241) , والترمذي: صفة جهنم (2603) , وأحمد (4/437).

Share
Leave A Comment

\