02- رسالة الذل والانكسار للعزيز الجبار للإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله – قراءة وتعليق – المجلس 2

رسالة الذل والانكسار للعزيز الجبار للإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله – قراءة وتعليق – المجلس الثاني

لفضيلة الشيخ د/محمد بن عبد العزيز العواجي -حفظه الله وبارك فيه-

تنزيل الدرس

وقد جاء في السنة الصحيحة ما يشهد (بقرب)([1]) الله من القلب المنكسر ببلائه الصابر عَلَى قضائه أو الراضي بذلك كما في “صحيح مسلم”([2]) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “يَقُولُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ”.

وروى أبو نعيم([3]) من طريق ضمرة عن ابن شوذب قال: “أوحى الله تعالى إِلَى موسى عليه السلام: أتدري لأي شيء اصطفيتك عَلَى الناس برسالاتي وكلامي؟ قال: لا يا رب! قال: لأنّه لم يتواضع لي أحد قط تواضعك”.

(وتواضعه هذا هو الخشوع، وهو)([4]) العِلْم النافع، وهو أول ما يرفع من العِلْم، فخرج النسائي([5]) من حديث جبير بن نفير رضي الله عنه، عن عوف بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إِلَى السماء يومًا (فَقَالَ)([6]): «هَذَا أَوَانٌ يُرْفَعُ فِيهِ الْعِلْمُ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَقَدْ أُثْبِتَ وَوَعَتْهُ الْقُلُوبُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كُنْتُ لَأَحْسَبُكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» وَذَكَرَ لَهُ ضَلَالَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَلَقِيتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ فَحَدَّتْتُهُ بِحَدِيثِ عَوْفٍ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ: صَدَقَ عَوْفُ أَلاً أُخْبِرُكَ بِأَوَّلِ ذَلِكَ يُرْفَعُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: الْخُشُوعُ حَتَّى لاً تَرَى خَاشِعًا».

وخرجه الترمذي([7]) من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وفي آخره: قال جبير فلقيت عبادة بن الصامت فقلت: ألا تسمع إِلَى ما يقول أخوك أبو الدرداء: وأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء، لو شئت لحدثتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع، فلا ترى فيه رجلاً خاشعًا.

وقد قيل: إِنَّ رواية النسائي أرجح.

وقد روى سعيد بن بشير عن قتادة، عن الحسن رحمه الله تعالى، عن شداد ابن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَوَّلَ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ”([8]) فذكره.

ورواه أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب مُرسلاً([9]).

وروي نحوه عن حذيفة من قوله([10]).

فالعلم النافع هو ما باشر القلوب فأوجب لها السكينة والخشية، والإخباب لله والتواضع والانكسار له، وإذا لم يباشر القلوب ذلك من العِلْم، وإنما كان عَلَى اللسان، فهو حجة الله عَلَى ابن آدم، تقوم عَلَى صاحبه وغيره، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ صَاحِبُهُ”. خرجه مسلم([11]).

وقال الحسن رحمه الله تعالى: العِلْم علمان: علم باللسان وعلم بالقلب، فعلم القلب هو العِلْم النافع، وعلم اللسان هو حجة الله عَلَى ابن آدم.

وروي عن الحسن رحمه الله تعالى مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروي عنه عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وعنه عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا، ولا يصحُّ وصله.

فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العِلْم الَّذِي عند أهل الكتابين من قبلنا موجود بأيديهم ولا ينتفعون بشيء منه لما فقدوا المقصود منه، وهو وصوله إلى قلوبهم حتى يجدوا حلاوة الإيمان به، ومنفعته بحصول الخشية والإنابة لقلوبهم، وإنما هو عَلَى ألسنتهم تقوم به الحجة عليهم.

ولهذا المعنى وصف الله سبحانه في كتابه العُلَمَاء بالخشية كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28).

وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاً يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9).

ووصف العُلَمَاء من أهل الكتاب قبلنا بالخشوع كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} الآية (الإسراء: 107 – 109).

وقوله تعالى فى وصف هؤلاء الذين أوتوا العِلْمَ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا مدح لمن أوجب له سماع كتاب الله الخشوع في قلبه، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: 22 – 23).

ولين القلوب هو زوال (قساوتها) ([12]) لحدوث الخشوع فيها والرقة.

وقد (قبح) ([13]) الله من لا يخشع قلبه لسماع (كتابه) ([14])  وتدبره، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاً يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16) قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين خرجه مسلم([15])، وخرجه غيره([16]) وزاد فيه: فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضًا.

وخرج ابن ماجه([17]) من حديث ابن الزبير رضي الله عنه قال: “لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إِسْلَامِهِمْ وَبَيْنَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يُعَاتِبُهُمُ اللَّهُ بِهَا إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ”.

وقد سمع كثير من الصالحين هذه الآية تتلى، فأثرت فيهم آثارًا متعددة، فمنهم من مات عند ذلك لانصداع قلبه بها، ومنهم من تاب عند ذلك وخرج عما كان فيه.

وقد ذكرنا أخبارهم في كتاب “الاستغناء بالقرآن”.

وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر: 21) الآية.

قال أبو عمران الجوني: والله لقد صرف إلينا ربنا في هذا القرآن ما لو صرفه إِلَى الجبال لحتها و (حناها)([18]).

كان مالك بن دينار رحمه الله يقرأ هذه الآية ثم يقول: أقسم لكم، لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه.

وروي عن الحسن رحمه الله تعالى قال: يا ابن آدم إذا وسوس لك الشيطان بخطيئة أو حدثت بها نفسك فاذكر عند ذلك ما حملك الله من كتابه مما لو حملته الجبال الرواسي لخشعت وتصدعت أما سمعته يقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر: 21).

فإنما ضرب لك الأمثال لتتفكر فيها، وتعتبر بها وتزدجر عن معاصي الله عز وجل، وأنت يا ابن آدم أحق أن تخشع لذكر الله، وما حملك من كتابه وآتاك من حكمة، لأنّ عليك الحساب ولك الجنة أو النار.

وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله من قلب لا يخشع، كما في “صحيح مسلم”([19]) عن زيد بن أرقم “أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: “اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاً يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاً يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاً تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاً يُسْتَجَابُ لَهَا”.

وقد روي نحوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه متعددة.

ويروى عن كعب الأحبار قال: “مكتوب في الإنجيل: يا عيسى، قلب لا يخشع عمله لا ينفع، وصوته لا يسمع، ودعاؤه لا يرفع”.

قال أسد بن موسى في كتاب “الورع”: ثنا مبارك بن فضالة قال: كان الحسن رحمه الله تعالى يقول إِنَّ المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وأفضى يقينها إِلَى قلوبهم، وخشعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم، وكنت والله إذا رأيتهم رأيت قومًا كأنهم رأي عين، فوالله ما كانوا بأهل جدل ولا باطل، ولا اطمأنوا إلا إِلَى كتاب الله، ولا أظهروا ما ليس في قلوبهم، ولكن جاءهم عن الله أمر فصدقوا به، فنعتهم الله تعالى في القرآن أحسن نعت فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان: 63) قال الحسن: الهون في كلام العرب: اللين والسكينة والوقار. قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}(الفرقان: 64) قال: حلماء لا يجهلون، وإذا جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل فَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان: 64) ينتصبون لله عَلَى أقدامهم، ويفترشون وجوههم لربهم سجدًا، تجري دموعهم عَلَى خدودهم فرقًا من ربهم.

قال الحسن رحمه الله تعالى: لأمر ما أسهروا له ليلهم، ولأمر ما خشعوا له نهارهم، ثم قال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (الفرقان: 65). قال: وكل شيء يُصيب ابن آدم ثم يزول عنه فليس بغرام، إِنَّمَا الغرام الملازم له ما دامت السموات والأرض، قال: صدق القوم، والله الَّذِي لا إله إلا هو فعملوا ولم يتمنوا فإياكم -رحمكم الله- وهذه الأماني فإن الله لم يعط عبدًا (بأمنيته) ([20]) خيرًا قط في الدُّنْيَا والآخرة، وكان يقول: يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة لوعتها.

وقد شرع الله تعالى لعباده من أنواع العبادات ما يظهر فيه خشوع الأبدان، الناشئ عن خشوع القلب وذله وانكساره، ومن أعظم ما يظهر فيه خشوع الأبدان لله تعالى من العبادات الصلاة، وقد مدح الله تعالى الخاشعين فيها بقوله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1 – 2) وقد سبق بعض ما قاله السلف في تفسير الخشوع في الصلاة.

وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار رحمه الله تعالى عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} يعني: متواضعين لا يعرف من عن يمينه ولا من عن شماله، ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل.

وقال ابن المبارك عن أبي جعفر عن ليث عن مجاهد: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238) قال: القنوت: الركون والخشوع، وغض البصر وخفض الجناح من رهبة الله عز وجل.

قال: وكان العُلَمَاء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن عز وجل أن يشذ نظره، أو يلتفت أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء أو يحدث -يعني- نفسه بشيء من الدُّنْيَا إلا ناسيًا ما دام في صلاته.

وقال منصور عن مجاهد رحمه الله تعالى، في قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح: 29) قال: الخشوع في الصلاة.

وخرج الإمام أحمد([21]) والنسائي([22]) والترمذي([23]) من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَخَشَّعُ وَتَضَرَّعُ، وَتَمَسْكَنُ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ” يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقُولُ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ثَلاّثًا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ! وفي “صحيح مسلم”([24]) عن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ؛ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ”.

(ومما) ([25]) يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة: وضع اليدين إحداهما عَلَى الأخرى في حال القيام، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن المراد بذلك فَقَالَ: هو ذل بين يدي عزيز.

قال علي بن محمد المصري الواعظ رحمه الله تعالى: ما سمعت في العِلْم بأحسن من هذا.

وروي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى أنه قال: أشتهي منذ أربعين سنة أن أضع يدًا عَلَى يد فى الصلاة ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله.

وروى محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى بإسناده عن أبي هريرة([26]) رضي الله عنه قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ صَنِيعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ».

وفسره بعض رواته بقبض شماله بيمينه وانحنى هكذا.

وبإسناده عن أبي صالح السمان رحمه الله تعالى قال: يبعث الناس يوم القيامة هكذا ووضع إحدى يديه عَلَى الأخرى.

وملاحظة هذا المعنى في الصلاة يوجب للمصلي أن يتذكر وقوفه بين يدي الله تعالى للحساب.

وكان ذو النون وحمه الله تعالى يقول في وصف العباد: لو رأيت أحدهم وقد قام إِلَى صلاته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده، خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الَّذِي يقوم الناس فيه لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله، خرجه أبو نعيم رحمه الله تعالى.

ومن ذلك إقباله عَلَى الله عز وجل وعدم التفاته إِلَى غيره، وهو نوعان:

أحدهما: عدم التفات قلبه إِلَى غير ما هو مناج له، وتفريغ القلب للرب عز وجل.

وفي “صحيح مسلم”([27]) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فضل الوضوء وثوابه: ثم قال: “فَإِنْ هُوَ قَامَ وَصَلَّى فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ أَهْلَهُ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”.

والثاني: عدم الالتفات بالبصر يمينًا وشمالاً، وقصر النظر عَلَى موضع السجود وهو من لوازم خشوع القلب وعدم التفاته، ولهذا رأى بعض السلف مصليًا يعبث في صلاته فَقَالَ: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، وقد سبق ذكره.

وخرج الطبراني([28]) من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتْ فِي صَلَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ أَنْزَل اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1 – 2) فخشع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يلتفت يمنة ولا يسرة.

ورواه غيره عن ابن سيرين رحمه الله تعالى مرسلاً([29])  وهو أصح.

وخرج ابن ماجه([30]) من حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُهُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعْدُ بَصَرُهُ مَوْضِعَ (جَبِينِهِ) ([31])  فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يَلِي لَمْ يَعْدُ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ الْقِبْلَةِ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَكَانَتِ الْفِتْنَةُ فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا».

وفي “صحيح البخاري”([32]) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ».

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي([33]) من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ».

وخرج الإمام أحمد والترمذي([34]) من حديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم “إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ” فذكر منها: “وَآمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا”.

وفي المعنى أحاديث أُخر متعددة.

وقال عطاء: سمعت أبا هريرة يقول: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَلْتَفِتْ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ إِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ، وَإِنَّهُ يُنَاجِيهِ فَلَا يَلْتَفِتْ».

قال عطاء رحمه الله تعالى: وبلغنا أن الرب عز وجل يقول: “يَا ابْنَ آدَمَ إِلَى مَنْ تَلْتَفِتُ، أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِمَّنْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ”. وخرجه البزار وغيره مرفوعًا، والموقوف أصح.

وقال أبو عمران الجوني رحمه الله تعالى: أوحى الله عز وجل إِلَى موسى عليه السلام: يا موسى إذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجي بقلب وجل، ولسان صادق.

ومن ذلك الركوع وهو ذل بظاهر الجسد؛ ولهذا كانت العرب تأنف منه ولا تفعله حتى بايع بعضهم النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى أن لا يخر إلا قائمًا يعني أن يسجد من غير ركوع، كذلك فسره الإمام أحمد رحمه الله تعالى والمحققون من العُلَمَاء.

وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (المرسلات: 48) وتمام الخضوع في الركوع: أن يخضع القلب لله ويذل له فيتم بذلك خضوع العبد بباطنه وظاهره لله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: “خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَمَا اسْتَقَلَّ بِهِ قَدَمِي”([35])، إشارة إِلَى أن خشوعه في ركوعه قد حصل بجميع جوارحه، ومن أعظمها القلب الَّذِي هو ملك الأعضاء والجوارح، فَإِذَا خشع خشعت الجوارح، والأعضاء كلها تبعًا لخشوعه.

ومن ذلك السجود وهو أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه عز وجل، حيث جعل العبد أشرف ما له من الأعضاء، وأعزها عليه وأعلاها حقيقة أوضع ما يمكنه، فيضعه في التراب متعفرًا ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه وخشوعه لله عز وجل.

ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يقربه الله عز وجل إِلَيْهِ فإن: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»([36]) كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: 19).

والسجود أيضاً مما كان يأنف منه المشركون المستكبرون عن عبادة الله عز وجل، وكان بعضهم يقول: أكره ان أسجد فتعلوني استي، وكان بعضهم يأخذ كفًّا من حصى، فيرفعه إِلَى جبهته ويكتفي بذلك عن السجود.

وإبليس إِنَّمَا طرده الله لما استكبر عن السجود لمن أمره الله بالسجود له.

ولهذا يبكي إذا سجد المؤمن ويقول: أمر ابن آدم بالسجود ففعل فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار([37]).

ومن تمام خشوع العبد لله عز وجل وتواضعه له في ركوعه وسجوده، أنه إذا ذل لربه بالركوع والسجود وصف رَبَّه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو، فكأنه يقول: الذل والتواضع وصفي، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك، فلهذا شرع للعبد في ركوعه أن يقول: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى([38]).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يقول في سجوده: «سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»([39]).

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ليلة في سجوده: “أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أُعَفِّرُ وَجْهِي فِي التُّرَابِ لِسَيِّدِي، وَحَقٌّ لِسَيِّدِي أَنْ تُعَفَّرَ الْوُجُوهُ لِوَجْهِهِ”([40]).

قال الحسن رحمه الله تعالى: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقُمْ قَانِتًا كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، وَإِيَّاكَ وَالسَّهْوَ وَالِالْتِفَاتَ، إِيَّاكَ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَتَنْظُرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَتَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَقَلْبُكَ سَاهٍ وَلَا تَدْرِي مَا تَقُولُ بِلِسَانِكَ»، خرجه محمد بن نصر المروزي([41]) رحمه الله تعالى.

وروي بإسناده([42])  عن عثمان بن أبي دهرش قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صَلَّى صَلَاةً جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: “هَلْ أَسْقَطْتُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِي شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ نَدْرِي، قَالَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: نَعَمْ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ، يُتْلَى عَلَيْهِمْ كِتَابُ اللَّهِ فَلَا يَدْرُونَ مَا يُتْلَى مِنْهُ مِمَّا تُرِكَ، هَكَذَا خَرَجَتْ عَظَمَةُ اللَّهِ مِنْ قُلُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَشَهِدَتْ أَبْدَانُهُمْ وَغَابَتْ قُلُوبُهُمْ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ عَمَلًا حَتَّى يَشْهَدَ بِقَلْبِهِ مَعَ بَدَنِهِ».

والآثار في هذا المعنى كثيرة جدًّا.

ومر عصام بن يوسف رحمه الله تعالى بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فَقَالَ: يا حاتم تحسن تصلي؟ قال: نعم! قال: كيف تصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالسبيل والسنة، وأسلمها بالإخلاص إِلَى الله عز وجل، وأرجع عَلَى نفسي بالخوف، أخاف أن لا يقبل مني، وأحفظه بالجهد إِلَى الموت، قال: تكلم فأنت تحسن تصلي.

ومن أنواع العبادات التي يظهر فيها الذل والخشوع لله عز وجل: الدعاء

 


([1]) يقول: “نسخة”.

([2]) برقم (2569).

([3]) في “الحلية” (6/ 130).

([4]) فصل: وهذا الخشوع هو: “نسخة”.

([5]) أخرجه النسائي في ” الكبرى” (3/ 456)..

([6]) وقال: “نسخة”.

([7]) برقم (2653) قال الترمذي: حسن غريب.

([8])أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (7/ 7183) من طريق عمران القطان عن قتادة به بمثله. قال الشيخ محمد عمرو في تخريجه “للذل والإنكسار” (ص44): وفي شعيب بن بيان الصفار، وعمران القطان: مختلف فيهما، والمهلب بن العلاء: مجهول لا تعرف له ترجمة. ورواه ابن عدي (2/ 840)، وأبو الشيخ في “الطبقات” (3/ 164 – 165) عن حسام بن مصك عنه، وحسام متروك، والراجح الصحيح رواية جبير بن نفير عن شداد بن أوس موقوفًا عليه من قوله.

([9]) رواه ابن المبارك في “الزهد” (72) ومن طريقه أحمد في “الزهد” (ص395).

([10]) أخرجه ابن أبي شيية في “المصنف” (13/ 381) ومن طريقه أبو نعيم في “الحلية” (1/ 281)، والحاكم (4/ 469).

([11]) برقم (822).

([12]) قسوتها: “نسخة”.

([13]) وبخ: “نسخة”.

([14]) كلامه: “نسخة”.

([15]) برقم (3027).

([16]) أخرجه النسائي في “الكبرى” في التفسير – كما في “تحفة الأشراف” (7/ 70).

([17]) برقم (4192).

([18]) جباها: “نسخة”.

([19]) برقم (2722).

([20]) بالأمنية: “نسخة”.

([21]) في “المسند” (1/ 11)، (4/ 167).

([22]) في “الكبرى” (1/ 212، 450).

([23]) برقم (385). ونقل الترمذي قول البخاري: حديث صحيح.

([24]) برقم (228).

([25]) فمما: “نسخة”.

([26]) أخرجه ابن أبي شيبة (13/ 543).

([27]) برقم (832).

([28]) ذكره الهيثمي في “المجمع” (2/ 80) وقال: رواه الطبراني في “الأوسط”، وقال: تفرد به حبرة بن نجم الإسكندراني، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.

([29]) أخرجه أبو داود فى “المراسيل” (ص8).

([30]) برقم (1634).

([31]) جبهته: “نسخة”.

([32]) برقم (751، 3291).

([33]) أخرجه أحمد (5/ 172)، وأبو داود (909)، والنسائي فى “الصغرى” (3/ 8)، وفى “الكبرى” (1/ 356).

([34]) أخرجه أحمد (4/ 130، 202)، والترمذي (2863، 2864). قال الترمذي: حسن صحيح غريب.

([35]) تقدم تخريجه.

([36]) أخرجه مسلم (482).

([37]) أخرجه مسلم (81).

([38]) أخرجه مسلم (772).

([39]) أخرجه أحمد (6/ 24)، وأبو داود (873)، والنسائي (2/ 191، 223).

([40]) أخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” (3556).

([41]) في “تعظيم قدر الصلاة” (1/ 189 رقم 140).

([42]) المصدر السابق (1/ 198 رقم 157).

Share
Leave A Comment

\