ضرورة التدرج وعدم الاستعجال

الحكمة

قال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله:

“العالم قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً إلى بيانها .

يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}.

والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله ، والقدرة على العمل به. فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر ولا نهي. وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلاً. وهذه أوقات الفترات.

فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئًا.

ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به.

ولم تأتِ الشريعة جملة.

كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع.

فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به.

كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها.

وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم؛ فإنه لا يطيق ذلك.

وإذا لم يطقه لم يكن واجبًا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبًا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه.

ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط.

فتدبر هذا الأصل فإنه نافع.

ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل، لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم. فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل. والله أعلم.

ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علماً وعملاً: أن ما قاله العالِم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالِم الآخَر والأمير الآخَر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به، أو لا يأمر بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه، إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده، ولا أن يوجب عليه اتباعه ، فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة، لا يأمر بها ولا ينهى عنها، بل هي بين الإباحة والعفو.

وهذا باب واسع جداً، فتدبره”.

مجموع الفتاوى 20/59-61

═════ ❁✿❁ ═════

مختارات قناة البخاري

http://goo.gl/y3yT4R

Share
Leave A Comment

\